تحويلات المغتربين المالية تخطئ أهدافها.. الخدمات والعقارات يستهلكان التحويلات المالية

تعد سورية دولة منتجة ومصدرة للعمالة في آن معاً. ومع ارتفاع معدلات النمو السكاني إلى أعلى المعدلات في العالم واستقرارها الآن على 2.5%، ظهرت الحاجة الماسة إلى خلق وإيجاد فرص عمل لأكثر من 250 ألف داخل إلى سوق العمل السورية سنوياً. وساهم الانكماش الاقتصادي وانخفاض معدلات النمو إلى استفحال ظاهرة البطالة. ولذلك صار البحث عن فرصة عمل أياً كانت هو الشغل الشاغل لعشرات الآلاف من الشبان الذين يحملون إلى جانب شهاداتهم العلمية وخبراتهم المهنية والفنية وسام (عاطلون عن العمل) بجدارة وامتياز.
أوجد السوريون طرقاً كثيرة لمعالجة مشكلتهم مع العمل وغياب فرصه، ومن أبرز تلك الطرق كان عالم الاغتراب. يبلغ عدد السوريين المغتربين نحو 16 مليوناً ينتشرون في دول أمريكا الجنوبية والدول الأوربية ودول الخليج العربي بالدرجة الأولى، إضافة إلى دول أخرى. وإذا كان اغتراب السوريين هو حل جذري ـ بالنسبة لبعضهم ـ هرباً من العوز والفقر والبطالة فإن تحويلاتهم المالية السنوية باتت تشكل حلاً في الوقت ذاته لمشكلات اقتصادية داخلية. والسؤال: كم تبلغ تقديرات تحويلات السوريين المالية العاملين في الخارج؟ وما هي الأقنية التي من خلالها تصل التحويلات؟ وما أوجه الانتفاع منها، وكيف تستثمر؟
ـ لائحة العشرة
تغيب التقديرات الحقيقية الرسمية عن تحويلات المغتربين السوريين المالية، وفي دراسة حديثة أجراها بنك الاستثمار الأوربي حول التحويلات المالية التي يرسلها العمال المهاجرون من دول الاتحاد الأوربي إلى دول حوض البحر المتوسط تبين ارتفاع نسبة مساهمة التحويلات المالية في الناتج المحلي الإجمال،ي مع وجود فوارق بين الدول تبعاً لعدد العمال المهاجرين وتتصدر مصدر والأردن ولبنان والمغرب وتركيا لائحة الدول العشر الأولى التي تتلقى تحويلات مالية تشكل نسبة عالية من دخلها الوطني الإجمالي حسب الدراسة الآنفة الذكر. أما عن سورية فتبدو التحويلات المالية هزيلة جداً، إذ إنها وصلت في العام 2003 إلى نحو 447 مليون يورو، شكلت نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي بينما تبلغ التحويلات المالية للمهاجرين في الدول المذكورة سابقاً المليارات.
السؤال الآ:ن لماذا تعد تحويلات المغتربين السوريين منخفضة؟
إن الأرقام الواردة في دراسة البنك الاستثمار الأوربي غير دقيقة ولا تعد كافية، إذ توجد قنوات غير رسمية يستخدمها المغتربون أثناء قيامهم بتحويل أموالهم إلى وطنهم الأم. وتؤكد مصادر المصرف التجاري السوري أنه لا يوجد إحصاءات دقيقة حول تحويلات المغتربين السوريين بسبب استخدام أكثر من وسيط أثناء عملية التحويل. وساهم الوضع المصرفي بشكل عام إلى اعتماد المغتربين على قنوات أخرى غير رسمية وغير نظامية لإرسال تحويلاتهم المالية، وهذا أدى إلى تأسيس مكاتب عديدة في بلدان الاغتراب حيث تكون الجالية السورية كبيرة وربطها مع مكاتب في سورية تقوم بتقديم خدمة التحويلات. علماً أن هذه المكاتب تعمل تحت مسميات عديدة مثل (مكاتب سياحة وسفر، استيراد وتصدير..إلخ)، لتوفر لنفسها الغطاء القانوني لإشهار نفسها، إذ إن الأنظمة النافذة تمنع ممارسة أنشطة كهذه.
ازدهار التحويلات
فقدت المصارف السورية أحد أوجه نشاطاتها الرابحة والمتأتية من التحويلات بسبب جمود النظام المصرفي العام وعدم تمتعه بالمرونة واقتصار التعامل الخارجي على المصرف التجاري السوري فقط، دون السماح للمصارف العامة الأخرى بمزاولة النشاطات والأعمال المصرفية خارج الحدود. ولم يستطع المصرف التجاري تلبية رغبات المغتربين السوريين، مما أرغم هؤلاء على التوجه إلى مصارف أخرى في الدول المجاورة ولها فروع أو مكاتب في بلاد الاغتراب، وازدهرت أعمال التحويلات المالية إلى لبنان والأردن بشكل خاص. وما زالت المصارف الخاصة، الديثة الولادة، بعيدة إلى حد كبير عن استغلال هذا النقص الواضح في تقديم خدمات مصرفية، رغم أن المصارف الخاصة الستة التي باشرت أعمالها تنتمي إلى مصارف كبيرة وعريقة في العمل المصرفي ولم يغب عن أذهان مالكيها أي نشاط مصرفي يجب القيام به.
وتعدّ الكلفة الإجمالية لتحويلات المغتربين السوريين المالية مرتفعة جداً، إذ تصل حسب دراسة بنك الاستثمار الأوربي إلى 17% من قيمة المبلغ، بينما تنخفض في تونس إلى 8%، وتتراوح في لبنان ما بين 5.3% إلى 6.5%. وهذا يؤدي إلى خسارة جزء كبير من أموال التحويلات على شكل عمولات يقتنصها أصحاب المكاتب العاملة في مجال التحويلات المالية، وهي مشهورة جداً وتعمل في وضح النهار. ويرغم المغتربون على التعامل معها والرضوخ إلى شروطها لانعدام البدائل والخيارات الأخرى. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مشروع قانون مكاتب الصيرفة، قيد الصدور، سيسهم في حل هذه المعضلة، خاصة أن شركات وهمية قامت (بالاتجار) بأموال المغتربين واستغل بعض (السماسرة) تلك الحاجة وجمعوا أموالاً من المغتربين على أمل تسليمها لهم في سورية، لكن هيهات. وتجلى ذلك بوضوح عندما كانت العمالة السورية تقصد ليبيا للبحث عن فرصة عمل لها. وضاعت أموال طائلة بأساليب عديدة افتعلها بعض العاملين الوهميين في مهنة الصيرفة والتحويلات المالية.
ـ بالعين المجردة
تحاول الحكومة إقناع المغتربين بإعادة أموالهم المكتنزة في الخارج إلى البلد، واستثمارها في مشاريع تسهم في التنمية المستدامة. وتقدر الأموال السورية في الخارج بنحو 130 مليار دولار، ولا تعطي دعوات الحكومة أكلها حتى الآن. إذ ما زالت العوائق من روتين وبيروقراطية وانتشار الفساد وغيرها من العوامل غير المساعدة موجودة، وأصبحت سمة لا تحتاج إلى كبير عناء لاكتشافها. واللافت أن تحويلات المغتربين السوريين المالية بمجملها لا تستثمر استثماراً صحيحاً، فالجزء الأكبر من هذه التحويلات تذهب لتأمين ظروف معيشة أفضل لذوي المغتربين أو تتوجه إلى قطاع العقارات. ويلاحظ في المحافظات السورية التي تتميز بارتفاع نسبة الاغتراب بين أبنائها انتشار القصور الفارهة والمكلفة جداً، وتغيب عنها المشاريع الاستثمارية، رغم أن بناء قصر واحد كفيل بالتأسيس لمصنع أو أي مشروع استثماري آخر. ومع ذلك تبقى هذه القصور فارغة وتعيث فيها الريح. وانتشرت في السنوات الخمس الماضية ثقافة استهلاكية جديدة تعتمد كثيراًعلى الخدمات، وتتجلى صورها في اقتناء أجهزة الهاتف النقال والسيارات الخاصة..إلخ، ويعتمد المواطنون على تحويلات ذويهم المغتربين في امتلاك هذه الخدمات واستخدامها. والأمر لا يحتاج إلى برهان إطلاقاً لأنه بات يرى بالعين المجردة.
ـ مخالفة العرف
غياب الإحصاءات الرسمية والدقيقة من تحويلات المغتربين سمة أخرى تضاف كغيرها من السمات السلبية إلى سجل المؤسسات المعنية بالإحصاء والمصارف. وفي معظم الدول تستثمر تحويلات المغتربين المالية على نحو يخالف العرف السائد لدينا، للحاجة الماسة لأموال تؤسس لمشاريع استثمارية تسهم في معالجة العقبات الكأداء التي تواجه التنمية المستدامة في سورية.
وقد يكون المطلوب بعد إصدار قانون الصيرفة أن تتجه أنظار الصيارفة إلى تقديم تسهيلات ومرونة كافيتين للسماح بتدفق تحويلات المغتربين بشكل أكثر سلاسة وسهولة وسرعة دون ابتزاز أو فرض ما يشبه (الأتاوي) كما يحدث الآن. إضافة إلى الدور الذي يجب أن تلعبه المصارف العامة والخاصة بهذا الخصوص.
أما الأمر الآخر ذو الأهمية البالغة فهو: هل ستتأسس شركات استشارية أو دراسات تكون مهمتها توجيه تحويلات المغتربين المالية من الاستهلاك أو مجرد الادخار إلى مطارح استثمارية وتنموية؟

شكرا هنا تحياتي

» تحليل الأزمة المالية العالمية
» اخبار ملتقى المغتربين
» الخطوط الجوية ...لملتقى المغتربين
» لعبة تنشيط ملتقى المغتربين!
» هام للطلبه والطالبات المغتربين الان