من الأب للابن ومن الزوج للزوجة ومن الأخ للأخت

يعتبر
التسلط الأسري مرضا اجتماعيا خبيثا يصيب العلاقات الاجتماعية بين الأفراد.. فإما أن
ينهيها إلى زوال وإما أن يصده الإنسان فيجد بعده براً للسلامة بالتفاهم والمحبة
والإخاء فينجو من الغرق والهلاك في بحر التسلط.

في
المجتمعات الإنسانية تجده منتشراً في البيت والعمل والشارع أيضاً، الأب يسلط رأيه
سيفاً على رقاب أبنائه والشقيق يعكس تسلط الأب على شقيقته وكذلك المدير في العمل
يتسلط في قراراته بحق موظفيه ولا يعنيه إذا ما تذمروا أو احتجوا الأهم أن ينفذوا
القرار بلا جدال ولا نقاش، والزوج في البيت وأحياناً الزوجة تبدي تسلطاً في الآراء
أحياناً ينتهي بالفكاك والطلاق وأحياناً أخرى يلقى سبيلاً للحياة من جديد بمزيد من
التفاهم والمشاركة.

"آسية"
في التحقيق التالي ترصد حالات التسلط في ربوع العلاقات الاجتماعية بين الأزواج وفي
العمل وبين الأشقاء والآباء والأبناء، ويعرض لمخاطر التسلط من وجهة نظر خبراء النفس
والاجتماع، تابع معنا..

"مها"
قبل أيام أتمت عامها التاسع والعشرين، عمرها وخبرتها في الحياة واحتكاكها بالآخرين
في العمل والحياة الاجتماعية كفيل بأن يجعلها حرة القرار والتصرف فيما يخصها ما لم
يتعارض مع مبادئ وعادات وتقاليد مجتمعها، لكن الحال ليس كذلك على الدوام خاصة مع
وجود شقيقة تتدخل في أصغر قبل أكبر خصوصياتها حتى وصلت إلى أنواع الطعام التي تحبذ
والتي لا تحب، تؤكد الفتاة أنها تعاني أشد المعاناة من تدخل شقيقتها الكبرى في
خصوصياتها لكن ردها بالحسنى والسبب لديها "احتراماً وتقديراً لشقيقتي التي كانت لي
الأم والأخت والصديقة بعد وفاة والدتي حين كنت في السابعة من عمري" وتتابع:
"أحياناً أحاول إقناعها بوجهة نظري وأفلح في ذلك وأحياناً أخرى أخفق فلا أملك إلا
الانصياع لرغبتها وتطبيق أوامرها"، وتشير مها إلى أن تسلط شقيقتها يأتي من باب
شعورها بالخوف عليها وعلى أشقائها ومن باب شعورها بالمسئولية عنهم وعن تفاصيل
حياتهم؛ مؤكدة أن نجاحهم نجاح لها وإخفاقهم بمثابة رسالة تقصير منها تجاههم، وعن
تجربتها الشخصية معها تلفت أنها بعد انتهاء رحلة الثانوية العامة بنجاح أرادت أن
تدرس بالجامعة قسم فيزياء إلا أن شقيقتها لم ترغب بالتخصص على اعتبار أنه صعب،
تتذكر فتقول: "في يوم التسجيل للجامعة اصطحبتني معها فقط لأرى الجامعة لا أختار
التخصص الذي أريد سجلت لي الرغبة الأولى والثانية لغة إنجليزية بينما الرغبة
الثالثة فيزياء وتم قبولي في كلية التربية قسم اللغة الإنجليزية، درست مها اللغة
الإنجليزية لشهر واحد من الفصل الدراسي الأول لكنها سرعان ما نجحت في إقناع شقيقتها
بالتحويل إلى قسم الفيزياء، تقول مها: "كانت ترى أن الخريجات من قسم اللغة
الإنجليزية يجدون فرص عمل جيدة وسريعة وما زالت مقتنعة بذلك وأنا على أعتاب التخرج"
من ناحية أخرى تشير مها أن شقيقتها تتحكم في خصوصياتها ماذا تلبس والألوان التي
ترتديها وماذا تأكل والأصناف التي تفيدها، وتتابع: أتفهم أن تسلطها من باب الخوف
والمحبة المفرطة ولو كان غير ذلك لما استطعت الصبر عليه
أبداً".

رأيه
الصواب والباقي لا شيء

وإن
كان تسلط شقيقة مها بدافع الحب والخوف والشعور بالمسئولية الكبيرة بعد وفاة الأم
فإن تسلط علاء على زوجته لا معنى له سوى التسلط والتفرد بالرأي وإلغاء وتغليط أي
رأي آخر دون رأيه.

تقول
الزوجة التي رفضت الكشف عن اسمها الحقيقي لاعتبارات عائلية، "زوجي متفرد بالرأي
متسلط يلغي شخصيتي وكياني يحركني كدمية يتحكم بها بريموت كنترول.. لم أستطع الصبر
أكثر من خمس سنوات وكان الطلاق والفكاك والآن أعاني تسلط أهلي لأني أصبحت مطلقة" في
بيتها ولدى زوجها لم يسمح لها أن تشاركه المسئولية ولم يكن ليشاورها في أي من خطط
المستقبل فضاق صدرها وحينما طلبت إليه المشاركة قابلها برفض متهمها بعدم المسئولية
والفقر في العقل وعدم القدرة على اتخاذ القرارات السليمة الصحيحة، وحينما وقع
الطلاق أضحت فريسة لتسلط أهلها، الأب يمنعها من الخروج للشارع فهي مطلقة، والشقيق
يرفض علاقاتها الاجتماعية ويحرمها من زيارة الصديقات ولا سيما الخروج للعمل، والسبب
أنها مطلقة، تقول "أعيش الآن لأحقق رغبات الآخرين بينما رغباتي أنا فلا مكان لها في
حياتي، أحققها في غفلات أحلامي الوردية وما ألبث أن أصحو منها على
كابوس".

تفاهم
لا تسلط

فيما
ترى ديما متزوجة ولديها من الأطفال اثنان أنه ليس جميع الأزواج متسلطون وإنما منهم
فئة متفهمون يحتكمون للنصيحة والإرشاد من الطرف الآخر، ومنهم من يمنح حق المشاركة
في اتخاذ القرار ويناقشك في قراراتك لكنه أخيراً يحتكم لرأيه باعتباره الأصوب
ونادراً ما يأخذ برأيك، تقول السيدة: إن زوجها من النوع المتفهم يعطيها حرية التصرف
ويسمح لها بإبداء رأيها في القرارات المصيرية لها ولأسرتها، لا يتدخل في أمورها
الشخصية وراتبها ملك جيبها إن أرادت أنفقت منه على بيتها وإن أرادت ادخرته، مشيرة
إلى أنه بعكس زوج زميلتها التي لا تستطيع أن تتخذ قراراً خاصاً بها إلا بعد موافقته
ومباركته فهو يخنقها بتسلطه وتحكمه بتصرفاتها وعلاقاتها الاجتماعية مع الآخرين ولا
سيما بطبيعة ملابسها والألوان التي تختارها، مستدركة: صحيح على الزوجة أن تنتقي ما
يحب زوجها وتعمل على إسعاده لكن ليس على حساب حريتها الشخصية وليس بإلغاء وجودها
وكيانها.

وتبين
ديما أن تسلط الزوج له أسباب عدة أهمها اتسامه بالأنانية حيث يحاول تسخير الجميع
لخدمته، بالإضافة إلى معاناته من صراع السلطة بينه وبين زوجته فيحاول أن يكون
الأقوى ويتفرد برأيه ملغياً رأي الطرف الآخر.

قضى
على حلم ابنه

محمد أنهى الثانوية العامة منذ عامين، كان يحلم
بالسفر للدراسة بالخارج، اجتهد وسهر وحصل على معدل يمكنه من الالتحاق بالجامعة التي
حلم بها وزيادة على ذلك تمكن من الحصول على منحة دراسية للتخفيف من الأعباء المادية
على أسرته.. لكن الأب يحيا بعقلية متعصبة، قبل سنوات أرسل جاره ابنه للدراسة في
الخارج لكنه لم يفلح وعاد له بخفي حنين بلا شهادة فقط بزوجة أجنبية وحفيدة عليه أن
يتكبد أمر رعايتهم، قرر الأب أن يمنع ابنه من السفر حتى لا تتكرر معه مأساة جاره
ورغم محاولات الابن الحثيثة في إقناع والده إلا أنه لم يستطع، محمد أقسم أنه لن
يغادر إلا للدراسة والاجتهاد في نهل العلم فشخصيته مغايرة لشخصية ابن الجيران
وطموحاته كبيرة وأحلامه متشعبة لكن الأب صمم وتسلط ولم يدعه يسافر، يقول محمد:
"تسبب أبي في ضياع أحلامي لكني لا أملك له إلا المسامحة والدعاء له بالرحمة بعد أن
غادر الدنيا" محمد انصاع لأمر والده ودرس بإحدى جامعات القطاع وما زال يفكر جدياً
بعد استكمال الدراسة الجامعية أن يبحث على فرصة لاستكمال الدراسات العليا في إحدى
الجامعات العالمية وتؤهله درجاته لذلك، وحول ما إذا كان محمد سيعكس تسلط والده على
أبنائه حينما يكون أسرة أكد أنه سيترك لكل منهم حرية الاختيار والرأي لكن في حدود
المسموح وإذا ما أخفق أحدهم لن يكون له رأي إلا بالنصيحة والإرشاد وليس بالغصب
والفرض.

التسلط
يعكس آثاراً سلبية

حينما
يتحكم شخص آخر في رغباتك التلقائية، يمنعك من تحقيقها ولو كانت مشروعة فإنك لابد أن
تكن له رفضا مهما كان أباً أو شقيقاً أو زوجاً ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية على
طبيعة العلاقات الاجتماعية تبدو فاترة لا مكان فيها للود والدفء فقط تنفيذ مهام
وواجبات مغموسة بالعنف والضرب والحرمان، هكذا هو التسلط وتلك نتيجته قائمة من
الممنوعات تفوق بكثير المسموحات معها ينشأ الإنسان بشخصية الخاضع، المتبع للآخرين،
عديم الثقة بقدراته عاجزاً عن التفكير الحر خائفاً من المسئولية متوجساً من اتخاذ
القرارات.

يشير
د. داود حلس أستاذ مساعد بكلية التربية بالجامعة الإسلامية أن الاستماع للآخرين
والمناقشة أحد فنون اللغة تصقل ذهن الطفل وتزيد ثقته بنفسه بعكس فرض القرارات عليه
وإجباره على تنفيذها بتسلط دون وعي أو إدراك أو مناقشة منه، لافتاً إلى أن الرسول
صلى الله عليه وسلم كان يربي أبناءه على المناقشة والحوار وليس بفرض القرارات
وإملاء الأدوار والآراء عليهم دون مناقشة، واستطرد يقول: "اجتماع الأب مع أبنائه
لمناقشة مسألة معينة يؤدي إلى تعزيز ثقة الأبناء بأنفسهم، عكس فرض الرأي عليهم فإنه
يضعف من شخصيتهم، ويوقف تفكيرهم" على حد تعبيره، وأضاف أن العواقب التي يتركها
التسلط وخيمة فيبدو الشخص الذي يفرض عليه رأي غير رأيه مهزوزاً قلقاً مضطرباً ضعيف
الشخصية لا يمكنه اتخاذ قرار بذاته، واستكمل: ليس معنى ذلك أيضاً ألا يلتفت الآباء
لأبنائهم وكأنهم يعيشون بمنأى عنهم في جزيرة أخرى بل يحاولون التقرب لهم بالنصح
والإرشاد لتوعية الأبناء وتشجيعهم على طرح قضاياهم ومشاكلهم لمناقشتها والوصول إلى
حل فيها، مؤكداً أن المناقشة هي السبيل إلى الحلول الناجعة بينما التسلط والتفرد
بالرأي السبيل إلى خراب العلاقات الاجتماعية وانهيارها.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

» الزوج المزعوج‎
» مراحل تطور الزوج
» دليل السعادة .. في اختيار الزوج
» هذه القصيدة في غرفة الولادة عندما سمع الزوج بوفاة زوجته...